قصص و عبر

وثائقي .. أذكى نصاب في أمريكا (دهاءٌ وتحايل)

تصور نفسك تنزل الى مدخل البناية لتستلم بريدك، فتشاهد في الخارج سيارة رولز رايز فخمة تقف عند الباب وينزل السائق ويفتح الباب لزوجته إذ أن هذان الزوجان الخائنان سينتقلان للعيش في نفس بنايتك .

Advertisement

وحين يدخل يبتسم الرجل لك ويبدو مرتاحاً جداً، فيمازحك بلهجة مهذبة جداً، هو لطيف ومهذب أيضاً ويوحي لك بالثقة من اللحظة الأولى لكن لربما كان جارك الجديد سبب أفقارك !

Advertisement

في 25 من أغسطس عام 1992 ذهب السيد جوفرواه الى قسم الاحتيال في الشرطة موريال، للإدعاء على السيد جوندي بلفيه الذي بحسب أقواله سحب أكثر من ربع مليون دولار من أصدقائه وعائلته ومنه نفسه .

لا شك أن لدينا هنا موضوع للتحقيق ..

ربع مليون .. هذا يعني 250 الف دولار !
أنه مبلغ كبير جداً يسرق من عائلة واحدة ولكن حين سمع بالأمر بقي القاضي إيفلاكسيه مذهولاً بما فعله جوندي بلفيه حتى بعد أن أصدر الحكم .

لن أعيد الحقائق التي سبق أن ذكرتها سأذكر فقط الظروف المشددة للعقوبة والعوامل المخففة .
بالنسبة للظروف المشددة فهي كثيرة فعملية الاحتيال هذه تطلبت الكثير من التحضيرات الدقيقة، وكانت مستندات كثيرة قد جهزت لإغواء  عدة ضحايا .
لم يكن ذلك عملاً عفوياً ولم يكن لحظة ضعف لمدير مصرف عندما تسلم صندوق المال، لقد عملت جاهداً لتحضير خطتك واحتاج ذلك الى أشهر عديدة .

إذاً لنرى معاً كيف بدأت هذه القصة التي امتدات أشهر طويلة .

كان إيميل بيسايلون رئيساً للشرطة في موريال في ذلك الوقت، حين أتى إلينا لأول مرة للإدعاء كان السيد جوفرواه منهاراً وفاقد الأمل .

كان جوندي بلفيه قد أعد خططه ونفذها بدون أن يثير أي شكوك على الاطلاق .
في نهاية أكتوبر عام 1991 انتقل رجل يدعى جوندي بلفيه وكان يعرف حينها باسم جوندي بلفيه الى جزيرة الراهبات، إذ استأجر شقة تحت شقة عائلة جوفرواه، لفتت القصة نظر جوليان بيلفواه !

وصل الى جزيرة الراهبات ولا شك في أنه كان لطيفاً جداً وكان يعيش في رخاء، وأظن أن أهم أوراقه كانت سيارته، كان يقود رولز رايز التي يوجد منها في جزيرة الراهبات واحدة أو اثنتان في موريال كلها .

ولفت ذلك نظر عائلة جوفرواه وخاصة السيد جوفرواه الذي تقدم لمساعدته خاصةً فيما يتعلق بانتقاله الى منزل جديد .
لكن لا يكفي أن تلفت نظر ضحيتك وعليك أن تسحرها غيضاً !

أول خطوة اقتصرت على التعارف وتكون شخصيتك لطيفة جداً ومقنعة، وتتمتع بجاذبية ولا تخجل من عرض إنجازاتك في الماضي .
يخبرنا الطبيب النفسي روبرت دانيه المزيد عن المحتالين: الدجالون والمحتالون وأمثالهم يكونون أشخاص ساحرين عادةً، وهذا هو سر انجذاب الناس اليهم وهم لائقون جداً مايلزم للأطراء .

أنا أقول دائماً أن المحتال مثل منتج الأفلام، وهو في الوقت نفسه المنفذ والمخرج والممثل في ذات الوقت .
فتحضير خطةً بأهمية إنتاج مسرحي يجب أن نقول أن بلفيه يتمتع بهذه الصفات بما أنه مدقق درائب لدى الدولة وحامل شهادة جامعية في ادارة الأعمال، أمّا كان أجدر بجوفرواه توخي الحذر أكثر .

كان جوندي بلفيه أنيقاً يرتدي دائماً بذلةً وقميص وربطة عنق، فكان شكله يوحي أنه مدير مصرف، من الظاهر أن هذا الرجل حتماً ثري ويحمل بطاقات اعتمادية بلاتينية ذهبية فضية ماسيّة وكل ذلك .

لأن المحتال يجب أن يبدو غنياً وإلا لن يصدقه أحد ولماذا يستثمر أحدكم أموال فقير معدم؟!
ومن أمر الى أخر اصبح الرجلان صديقان وبدأت الزيارات بينهما وفي أحد زياراته الى منزل بلفيه لاحظ السيد جوفرواه طاولة عمل مغطاة بالأوراق المصرفية والشهادات، ما أوحى اليه أنه رجل أعمال مخضرم .

في الحقيقة كان بلفيه قد قدم نفسه كمالك ومدير ومساهم في شركة المعاملات المصرفية العالمية الخاصة المسجلة في كاليفورنيا ومكاتبها في جزر البهامس .
كان لشركة أوبتمم مكتب في موريال وذلك في صدد تحويله لفرع كي بي كي كما هو حال فروع المصارف الآخرى على الأقل هذا ما أراد بلفيه إقناع جوفرواه به.
بعد أيام على انتقال بلفيه الى بناية جوفرواه جاء يخبره أنه تشاجر مع زوجته فاستقبله جوفرواه وسمح له بالإقامة عنده والنوم في سريره.

إذاً امضى بلفيه عدة أيام عند جوفرواه فتوطدت الصداقة بينهما .

في الحقيقة ما كفى جوندي بلفيه لدى آل جوفرواه حتى منتصف ديسمبر عام 1991 أي مدة شهر ونصف تقريباً ماسمح لبلفيه في التعرف الى جاره، وأهم من كل شيء كسب ثقته وكان السيد بلفيه قد تلقى هنا درساً في الإدارة وأصبح شخصاً يعرف عالم الاعمال جيداً .

وكانت لديه معلومات عن شركات مالية تقوم بعمليات دولية مثل مصرف باريس ودار الحديث عن مصرف البهامس وما يمكن أن يفعله لتطويره .
في الواقع هذه الشركة بحاجة لزبائن ولكن كيف تجذب الزبائن؛ إلا إذا وعدتهم بفائدة مرتفعة جداً بالدولار الامريكي .
إذاً استطعت أن تصف عالم خالي من الضرائب فأنت تزين الأمر كله لن اعطيك فقط عائدات مهمة بل سأحميك أيضاً من ضرائب كندا .

كيف تفعل ذلك ؟

إنها كتابات اعتماد يصدرها مصرف في بلاد محمية من الضرائب أظن أنها البهامس .
ولا يستطيع أي شخص أن يمنع نفسه من التفكير في انه قد يستفيد من الأموال بدون أن يصرح عنها لمصلحة الضرائب؛ فالقانون ينص على أنه يحق لك بحساب مصرفي في الخارج، لكن يجب أن تصرح عن المبالغ التي أودعتها فيه، إضافةً إلى كل الفوائد والأرباح التي تجنيها .

لكن بما إن الانسان انسان ! فهو طبعاً سيفكر في أنه ربما يستطيع أن ينجو بفعلته هذه .. وهنا يأتي دور المحتال الذي يقنعه بإمكانية ذلك !!

وكوسيلة إقناع إضافية؛ أظهر بلفيه لجوفرواه صورة عن براءة أوبتمم وأخبره أن الأصلية في خزنة الشركة في البهامس هذا ما أخبره إياه .
وكان جوفرواه يغرق أكثر فأكثر في شرك بلفيه، لكن بالنسبة للمحتال لم تكن الضحية جاهزةٌ تماماً بعد .
يجب أن تجد لدى ضحيتك صفاتاً يظن أنه يملكها ولا يعترف بها لأحد، كيف أمكن أنك لم ترقى الى منصب رئيس شركة فأنت مذهل جداً !
هذا يسرُّ عادةً الضحية لأنها تظن أيضاً أنها مؤهلة لهذا المنصب .

المصدر :

مدونة تجار من وهم

يمكنكم الاطلاع على المزيد من قصص المحتالين في العالم:

عمر عايش

جورج باركر

 

 

Advertisement